6 – الشرعية

ليه الناس بتحترم الريس؟ الرئاسة مش بس الشخص اللي بيحكم الجمهورية، دي مؤسسة مجسّدة في رئاسة الشركة والمصنع والورشة ووحدة الأمن والعصابة. احترام الريس شيء مفروغ منه، زي ما الناس بتقول إن احترام الأب واجب. لكن الواحد عارف إن ياما أولاد خالفوا كلام أبهاتهم، وياما عمال خالفوا كلام أسطواتهم، وياما مواطنين ثاروا ضد حكامهم. معنى كده إن السؤال مش مجرد ليه الناس بتحترم الريس، بس ليه الناس شايفة إن احترام الريس حاجة كويسة، وده السؤال اللي طرحه عالم الاجتماع ماكس فيبر (Max Weber).

فيبر كان بيفرّق بين القوة (Macht) والسلطة (Herrschaft). القوة هي قدرة الواحد على فرض إرادته على شخص ثاني. يعني ممكن يكون فرض إرادة الحاكم على المحكوم، أو إرادة الدكتور على المريض، أو إرادة الأسطى على الصبي، أو إرادة الأم على البنت، أو إرادة الزوج على الزوجة. كل دي أشكال وأنواع من ممارسة القوة، بس ممارسة السلطة فيها حاجة إضافية. السلطة بطبعها لازم تكون شرعية، مش شرط بمعنى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وإنما على الأقل بمعنى إن جزء كبير من المجتمع لازم يكون شايف إنها شرعية. يعني أي بلطجي ممكن يفرض إرادته على الناس بالقوة، لكن مش أي بلطجي يعرف يفرض سلطته على المنطقة زي العمدة، لأن سلطة العمدة لها أسس شرعية بمعنى إن الناس بتسلّم بشرعيتها.

إيه الأسس دي بالضبط؟ فيبر فرّق بين ثلاث أنواع من الشرعية: النوع التقليدي، والنوع العقلاني، والنوع الكاريزمي. العمدة له سلطة تقليدية: عكس البلطجي اللي بيستقوى على المنطقة، العمدة مش محتاج لحاجة عشان الناس تسمع له، لأنهم خاضعين لسلطته بحكم وجوده من زمان، وهايخضعوا للعمدة اللي بعديه بنفس الطريقة. الشرعية التقليدية هي شرعية قديم الأزل؛ هي شرعية الأمير اللي بيورث الإمارة؛ هي شرعية الشيوخ المحترمين اللي بيقولوا إن الخروج عن الحاكم حرام شرعاً. الناس بتحترم الريس عشان بتحترم تقاليد موجودة من زمان ومش ممكن تتغير (إلا طبعاً لما بتتغير بالفعل ويحتاسوا في نفسهم).

الشرعية العقلانية أساسها قواعد عليها إجماع، مش مجرد عادات وتقاليد. القواعد دي ممكن تبقى دستور بيمثل كل أطياف الشعب، أو قانون بيتنفذ بشكل منطقي، أو أوراق لها معنى في جهاز حكومي ما، إلخ. هي دي شرعية القاضي والموظف، شرعية الورقة والقلم. طبعاً مش معنى إن المؤسسات اللي بتطالب بالشرعية العقلانية هتاخد شرعيتها فعلاً من الناس، والدليل إن ناس كثير بتشكك في شرعية الدستور والقوانين والأوراق اللا متناهية حالياً. ولكن فيه إجماع على إن احترام الدستور والقوانين والأوراق حاجة كويسة، لأن الدستور والقوانين والأوراق لهم أسس منطقية (المفروض).

وأخيراً فيه شرعية الكاريزما؛ شرعية اللي ربنا محبب فيه خلقه. نوع الشرعية دي أساسها الإيمان بشخص معيّن عشان قدرته على إقناعهم برسالته، زي ما الأنبياء أقنعوا أجدادنا بإنهم يتبعوا دياناتهم، وزي ما عبد الناصر أقنع الشعب إن هو الريس الشرعي. عبد الناصر ماكانش عنده شرعية الدستور ولا شرعية المؤسسة الملكية، لكنه استمد شرعيته من إنه يقنع الناس برسالة العروبة والقومية والنضال ضد الإمبريالية التوسعية (التوسعية من التوسع و الإمبريالية من الأمبرة). وطالما الناس مقتنعة، مهما إفترى عبد الناصر، فضل الاحترام لشخصيته الجذابة شايل سلطته لغاية ما مات (وطبعاً الكاريزما ماتت معاه).

إذن الناس ممكن تحترم الريس لكذا سبب حسب فيبر، سواء كان عشان مقامه التقليدي، أو عشان قواعد واضحة ومنطقية، أو عشان شخصيته الجذابة. إنما الأهم من كل ده إن الناس شايفة إن أحترام الريس حاجة كويسة، عشان الناس في الآخر هي اللي مدياله شرعيته ومش العكس. يعني أياً كانت أنواع الشرعية اللي الناس بتجمع عليها، أول ما تروح الشرعية، بتروح معاها سلطة الريس، حتى لو قوته وقدرته على فرض إرادته ماراحتش. ومع ذلك، مافيش ريس يعرف يستقوى على الناس إلى الأبد.

نُشر هذا المقال على موقع التحرير في 6 يونيو 2016، وهنا رابط المقال الأصلي