كل واحد عنده إحساس بالقهر: السؤال هو إزاي نفرّق مابين الإحساس الشخصي بالقهر ومكوناته الإجتماعية؟ المشكلة أن الطريقة الأساسية لأن الواحد يدرك القهر الإجتماعي هي عن طريق خبرة شخصية: مثلا إن الداخلية تمسك صاحبي بدالي، أو إن واحد يتحرش بيا مش بأختي. في الآخر بندرك القهر الحكومي أو الذكوري أو أيا كان عن طريق وِش شخص حقيقي، زي الضابط أو المتحرش، و كأننا في مسلسل كبير. مع ذلك القهر الإجتماعي مش شخصية في مسلسل: هو نص المسلسل نفسه، والشخصيات عايشينه ومتنفسينه بس مش قادرين يوصلوا لفكرته العامة.
كارل ماركس كان من أوائل الشخصيات اللي وصلت لتحليل عام لنوع مهم من القهر في المجتمعات الحديثة، وهو الإستغلال الإقتصادي. الفكرة البسيطة إن فيه صراع تاريخي ما بين طبقتين: القامعين، اللي بيمتلكوا كل وسائل الإنتاج من رأس المال والمعدات والأراضي والمصانع إلخ، والمقموعين، اللي بيبذلوا المجهود الفعلي في الإنتاج. كلما الصراع إزداد، كلما علاقات الإنتاج اختلفت، كلما الطبقة القامعة بتبعد عن امتلاك وسائل الإنتاج، وطبقة قامعة جديدة تستولى عليها، لغاية ما نوصل لإنتهاء الصراعات الطبقية في مجتمع مثالي بلا طبقات، لما العمال المقموعين في الظروف الرأس مالية الحالية يتّحِدوا ضد أسيادهم.
طبعا الفكرة البسيطة ديه مشحونة باعتقادات ماركس عن طبيعة البشر: إننا أساسا منتجين، إن علاقات الإنتاج هي العلاقات الإجتماعية الأساسية، إن إننا هنتحرر في مجتمع بلا طبقات، إلخ. بس بعيدا عن الإعتقادات ديه، رؤية ماركس تناقض الرؤية المنتشرة للطبقات عند المصريين، اللي شايفينها قائمة متدرجة في الإحترام والأخلاق والذوق. يعني العامل والفلاح دايما تحت، وفوقيهم الموظف، وفوقيهم الضابط، وفوقيهم الدكتور. عند ماركس، العامل والفلاح والموظف والضابط والدكتور من نفس الطبقة طالما ما فيش واحد فيهم بيمتلك معدات أو أراضي أو مصانع، على عكس الطبقة الرأس مالية، اللي بتدفع مرتب العامل والفلاح و(بشكل أو بآخر) الموظف والدكتور.
طبعا لو الواحد عايز يوصف المجتمع بالتفصيل، وخاصة إنه يوصفه بحسب كلام الناس اللي عايشين فيه، لازم يفرّق بين العامل والفلاح والدكتور والضابط ورجل الأعمال، ولكن لو الهدف إنه يفهم فكرة المجتمع ده، لازم يجيب من الآخر، حتى لو إضطر يسقّط تفاصيل. ومن الآخر عند ماركس، الطبقة هي مجموعة إقتصادية وبس، يا بيمتلكوا وسائل الإنتاج، يا ما بيمتلكوهاش. ماركس دايما بيفكّرنا إن التحليل ده راجع لصراعات تاريخية بعينها، و كل صراع و كل طبقة ليها شكل محدد في ظروف محددة.
عشان كده ماركس نفسه عمره ما وصف مفهوم “الطبقة” بوضوح، لأنه كان دايما بيخلط معاني سياسية وإقتصادية وثقافية للطبقة في رسم طبقات تاريخية معينة لغاية ما يوصلنا للإستنتاج الآتي: إنه فيه قامع وفيه مقموع، وعلاقة الإستغلال اللي ما بينهم ليها دعوة بعلاقات الإنتاج.
يعني ماركس مابيوصفش الطبقة المقموعة في المجتمعات الرأس مالية في المطلق، لأنه راسمها على أساس الطبقة العاملة الإنجليزية في أوائل الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، بتكوينها ومطالبها وثقافتها المخصوصة، لغاية ما يوصلنا لإن الرأس ماليين الإنجليز في بداية القرن التاسع عشر، زي الرأس ماليين عامةً، بيستغلوا المقموعين. وهي ديه أهمية مفهوم “الطبقة” عند ماركس. تحت كل التحابيش والسلطات، السؤال دايما: الناس بتأكل عيش منين؟ لو العيش جاي من الشغل، إذن الناس اللي شغّالة مقموعة بشكل أو بآخر، لأن صاحب الشغل، اللي عيشه جاي من الإستثمار، لازم يستغل مجهودهم عشان يكثّر ثماره لغاية الإرهاق والهلاك، أو لغاية ما العمال (أو الدولة) يقولوله كفاية كدة. ولكن (وديه نقطة أساسية عند ماركس) لو إحنا قدام طبقات عيشها جاي من حتة ثانية، ومصدر دخلهم لا من الشغل ولا من الإستثمار، إذن وصف الطبقات ديه لازم يختلف، وعلاقات القوة ما بينهم لازم تختلف، مع إن الاستغلال ما بين اللي ماسك الإنتاج واللي ممسوك فيه هيفضل دايما موجود.
نُشر هذا المقال على موقع التحرير في 4 مايو 2016، وهنا رابط المقال الأصلي