باختصار، الهيمنة مفهوم صنعه الفيلسوف أنطونيو جرامشي (Antonio Gramsci) عشان يعبّر عن الحكم المستبد اللي بيستمر بموافقة الناس، والسيطرة مفهوم صنعه الفيلسوف جيل دولوز (Gilles Deleuze) عشان يعبّر عن الحكم اللي بيستمر برة المؤسسات الانضباطية. المقارنة بين المفهومين لازم ترجع لمبدئين في رأيي: أولاً إن المفاهيم مصنوعة في ظروف تاريخية معينة ولأسباب معينة على إيد ناس معينة في مجتمع معين. يعني الواحد ما ينفعش يقرأ مقالين عن الموضوع ويحس إنه جاب آخر المقارنة، لأنه لازم يبحث في الظروف المحددة اللي أنتجت المفهوم ده. وثانياً إن المقارنة لازم تورّي الاختلافات والتشابهات الفكرية في نفس الوقت، وما تاخدش السؤال عن مفهومين قريبين من بعض وكأنه ممكن يدّي إجابة واضحة، سواء كان عن الاختلاف التام أو التشابه التام بينهم.
نرجع للسؤال ونبدأ بالسياق التاريخي: الفرق بين الهيمنة والسيطرة إن مفهوم الهيمنة ظهر وقت ما كان جرامشي قاعد في السجن في إيطاليا تحت حكم فاشي في أواخر العشرينات والثلاثينات، وعمّال يفكّر في أخطاء النظريات الشيوعية المنتشرة في وقته، بينما مفهوم السيطرة ظهر في عز باريس وسط تحولات الرأسمالية الأوروبية في الثمانينات، اللي نقلت اقتصاد فرنسا الصناعي والتجاري إلى اقتصاد خدمات وكمبيوترات. الظروف التاريخية دي حكمت السؤال الرئيسي اللي ردت عليه المفاهيم: يعني لما جرامشي سأل ليه الشعب ما تحالفش مع الشيوعيين، غير لما دولوز سأل ليه المؤسسات الانضباطية الفرنسية بتنهار. بالتالي الهيمنة والسيطرة لهم أبعاد مختلفة لأنهم ظهروا في ظروف مختلفة: من ناحية عندنا السؤال الأزلي بتاع ليه الناس ما بتثورش مع إنهم مطحونين، ومن ناحية ثانية إزاي الحكم مسيطر حتى من غير ما يستخدم القمع المباشر.
بالإضافة للاختلافات التاريخية دي، فيه اختلاف فكري مهم. الهيمنة بتستدعي موافقة الناس، يعني الشعب نفسه مقتنع بالحاكم والأمن والأمان. أما السيطرة، فهي ما بتستدعيش موافقة الناس، لأن الحاكم ممكن يسيطر حتى من غير موافقتهم. يعني مثلاً، الشعب بصفة عامة موافق على إن الانتخابات بين مرسي وشفيق كانت انتخابات زي الفل، وشاركوا في الانتخابات ودافعوا عنها حتى لو كان فيه لعب واضح من مؤسسات الدولة، وحتى لو كان فيه اتفاقيات بين الإخوان والنظام وقتها. في المقابل، الشعب مش شرط يكون واعي بالطريقة اللي الجيش بيبني بها الطرق، أو بالطريقة اللي البنوك بتستثمر بها فلوسنا، وبالعكس الواحد حاسس إن كثّر خير الجيش إنه بيبني طرق، وكثّر خير البنوك إنها بتستثمر.
طبعاً هنا فيه تشابه مهم بين الهيمنة والسيطرة: إنهم طريقتين مختلفتين لأن النظام الحاكم يفرض قوته على الشعب بدون ما يضرب الناس ويقبض عليهم (حتى لو الحاجتين بتحصل برضه). السؤال المشترك اللي بيطرحه كل مفهوم كالآتي: إزاي الحاكم بيمارس قوته على الشعب بدون قمع مباشر؟ إجابة جرامشي غير إجابة دولوز، لأنهم اختلفوا في نقطة وعي الشعب بالوضع. جرامشي كان شايف إن الشعب واعي ومصحصح، وإنما إنه خد قرار خاطئ بناءً على الأفكار الشائعة اللي بتروّج لها الدولة والمجتمع المدني، بينما دولوز كان شايف إن الشعب مش واعي، لأن الحاكم باذل مجهود كبير في التمويه على علاقات القوة الحقيقية في المجتمع. إذن الاختلاف في ردود الفلاسفة ومش في السؤال نفسه، وممكن الواحد يشوف الهيمنة والسيطرة على إنهم جزئين من التفكير في الحاجات اللي الشعب واعي بها، والحاجات اللي الحاكم بيحاول يخبيها.
نُشر هذا المقال على موقع التحرير في 25 يوليو 2016، وهنا رابط المقال الأصلي